الليل زجاج أسود..
القمر غائب..
والجنود مثقلون بالسلاح..
السكوت قبر خلف بيت قريب.
عينان فضيتان لهرة، وشابان، أحدهما يمسّد شعر الهرة الناعم. ويتأبط أوراقاً باليد الأخرى، أما الآخر فمشغول بربط علبة سردين فارغة، بقطعة حبل قصيرة. وإلى جانبه كيس ينتفخ بالمؤن...
الصمت غول...
الجندي (إيال):
-متى يطلع الفجر؟!..
-حين تطلع الشمس!..
يتمسك الجندي إيال بالبندقية، كأنها طوق النجاة..
يتابع عميرام:
-اذهب ونم في السيارة مع الآخرين!.
-اللعنة على منع التجول.. هؤلاء العرب لا تعرف من أين يأتون ولا كيف يختفون!.
حين أضاءت العينان زجاج الليل، ربط الشاب طرف الحبل بذنب الهرة. مسح على شعرها الناعم. سمع صوت رضاها. ثم همس في أذنها. وهو يضرب على ظهرها ضربة خفيفة:
-هيا.. يا عنبر!.
فجأة..
انكسر زجاج الليل. وتحول الصمت إلى عفاريت تقفز هنا وهناك.
نهض الجنود النائمون. وقفز قلب (إيال) من صدره وكأنه خرج من فمه. وسقطت بندقيته المحشوة، فزاد خوفه خوفاً..
تشنجت أصابع عميرام، ولم يستطع حراكاً..
حشرج إيال:
-الملثمون!.
وجرَّ نفسه نحو السيارة. واستعمل عميرام بندقيته عكازاً ليصل السيارة.
في لمح البصر. اختفت السيارة، وفي لمح البصر اختفى منع التجول..
العينان المضيئتان لعنبر تزرعان الحارة جيئة وذهاباً، وتقهقه الأرض تحت علبة سردين فارغة على الجنود الهاربين.
قال الشاب الأول لرفيقه:
-هيا!...
نشر الشاب الأول رزمة الأوراق في الحارات المحيطة.
تندد بالاحتلال. ووزع الشاب الثاني المؤن على بيوت الحارة المحاصرة..
حينئذٍ ، عاد القمر الغائب خلف السحاب، وغطى الأرض بلون فضي. هازماً زجاج الليل الأسود.