بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصوم مدرسة الإحسان
قال الله تعالى﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾وتقوى الله عز وجل ,هي إتقاء سخطه واستحضار رقابته، لأنه سبحانه أهل لأن يخشى ويهاب، ويجل ويعظم في صدورعباده ,قال تعالى﴿ هو أهل التقوى وأهل المغفرة﴾ وحقيقتها أنه إذا أراد مسلم أن يقدم على خطيئة ما، أو زين له الشيطان هفوة من الهفوات ، ثم استحضر رقابة الإله وصفات كبريائه وعظمتة، فذاك هو المتقي قطعاّ,وفي قوله تعالى﴿ اتقوا الله حق تقاته﴾هي أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، والتقوى هي أن تعمل بطاعة الله،وترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله،وأن تخاف عقاب الله,وهذا الاستحياء الجميل من الله، والخوف العظيم من الجليل سبحانه، مرتبة عاليه في الدين ومنزلة راقية فيه, إنها مرتبة الإحسان العالية التي عرفها المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك,كما قال الإمام الشافعي,أعز الأشياء ثلاثة, الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة حق عند من يرجى أو يخاف،إستحي من الله إستحياء رجل ذي هيبة من أهلك ، والمراقبة علم القلب بقرب الرب, وأن الصوم مدرسة لاستشراف منزلة الإحسان، وإجلال الله في نفوس عباده،
ولاشك أن هذه التقوى إذا سرت في شرايين المجتمع في رمضان وغيره من الشهور، ستستأصل جذور الفساد كلها ، بل سيصبح المجتمع ملائكيا لأن جميع أفراده في مراقبة ومشاهدة للخالق سبحانه، فلا إنغماس في المستنقع, من أهل البغي والفساد من المسلمين جرياّ وراء النزغات واللذات الهابطة إلا بتربية إحسانية, والصوم, تحطيم لأغلال الشهوات ودوافع الأكل والشراب,فهو قطع لأسباب الاسترقاق والتعبد لغير الله تعالى، قال تعالى(أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين) فإما عبادة للإله سبحانه، وإما دينونة للهوى, أفمن اتخذ إلهه هواه ,والمقصود أن مدرسة الصوم تورث الحرية من الرق للهوى، ليكون الإنسان عبداّ لواحد أحد، لا عبداّ للشركاء والآلهة المتعددة التي هي قاصمة لقلبه، ساعية لتمزيقه إذا هام بها حباّ, إنه إعلان لحرية الإنسان في هذا الشهر المبارك، فلله الشكر على بركة الصوم وفضائله,وذلك أنه إذا صام الإنسان، صفت روحه، ورق قلبه، وقوي فهمه، وانكسرت نفسه، وضعف سلطان الغضب والهوى،ميالاّ إلى صفاء روحه وخفة معدته، مدركا أنه, ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن ، وأن المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء،قال سبحانه(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، والنار مثوى لهم )وذلك أن الصوم من أوصاف الربوبية، لا يتصف به على الكمال غيره سبحانه كما قال عز وجل( وهو يطعم ولا يطعم ) وكما ورد في الحديث (الصوم لي وأنا أجزي به)أي لا متصف به إلا الله، لأنه الغني عن الكل, والمنزه عن جميع الأعراض والشهوات ، ولا يتصف بهذا إلا الله ، ومن سواه لابد له من أكل، لأن الملائكة طعامهم التسبيح وشرابهم المحبة الخالصة ,كما قال صلى الله عليه وسلم( ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس) لكن مدرسة الصوم ,تفتح مغاليق القلوب الغافلة المجهدة لتنفي عنها طغيان الشهوات وقسوة المعدات,ليكون الناس كلهم عبيدا لله ,والصوم,هو تربية على النظام وضبط الأوقات، والصائم لن يقرب الأكل, إلا من بعد أن يأذن الله له بالإفطار عند الغروب، وهذا إشارة لأهمية الوقت ,فلا صوم إلا في وقت محدد وموعد معين، وهو أدب مع الله، إذ ينتظر إذنه سبحانه في الإفطار، وينضبط بما حدد الله له من سنن، وقد يتابع هذا الأدب فيشمل الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لا يقدم شيئا ولا يؤخره إلا بإذنه عليه الصلاة والسلام.
الأربعاء يوليو 13, 2011 4:40 pm
