بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الرجال إما حلة من الشقاء أو روضة من الجنان
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المجتبى، وبعد:
لا بد للإنسان في حياته اليومية أن يخالط الناس ويعاملهم سواء في مجالس عامة أو خاصة، وما يدور في هذه المجالس وما ينفض عنها من نتائج وثمرات تحدد إذا كان على المسلم الاعتداد بهذه المجالس والافتخار بحضوره، أو الإعراض عنها وتجنب خطرها و فسادها، فرب مجلس يقعده المرء مع قوم أشقياء، يصنع لنفسه فيه حلة من الشقاء تلازمه إلى يوم القيامة، ورب مجلس علم أو ذكر أو نصيحة يرتع فيها الإنسان في روضة من رياض الجنة فلا يخرج منها إلى يوم القيامة.
المجالس مجتمعات صغيرة يحضرها أناس من جميع الطبقات، ويتكلم فيها رجال من كافة المستويات، منهم الغث والسمين والمصلح والمفسد. وإن المسلم من يستطيع أن يدير دفة المجلس لما فيه خير المجالسين في دينهم ودنياهم، ولما فيه رضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يستطع فالإعراض عن ذلك المجلس هو محض الخير وعين الصواب، لقوله تعالى: “وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ”
ويمكن أن أقسم المجالس من الناحية الشرعية إلى خمسة أقسام- بحسب الحكم التكليفي-: ” الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح ، أما المجالس التي تأخذ صبغة الحرام فهي تلك المجالس التي يكون أساسها الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء، وهى بالعادة مجالس تحفها الشياطين، أما المكروه من المجالس فهي تلك التي يدور فيها الحديث بتهكم مبطن و كلمات ذات دلالات مقصودة يفهمها الجالسون فيما بينهم بالغمز واللمز” وأما البقية كالواجبة والمندوبة والمباحة فأمثلتها واضحة كالتعليم والنصيحة والحديث في شئون الدنيا وإصلاحها. انعطاف الكثير من الشباب في مجالسهم إلى الحديث عن أمور خارجة عن النص إنما يعود لانعدام ثقتهم بأنفسهم ولغياب الوازع الديني والسلوكي لديهم إضافة إلى انهيار المستوى الثقافي للعديد منهم، لذا حثنا الإسلام على مجالسة الصالحين، فالمسلم يحسن اختيار من يجلس إليهم ويصاحبهم، فيختارهم من أهل الصلاح والتقوى، وممن يُعْرَفون بطاعة الله وعبادته، ولا يتخذ جلساءه ممن لا دين لهم ولا أدب، لأن الجليس والرفيق له تأثير كبير في نفس من يجالسه، كما أنه على المسلم أن يحرص على عدم مجالسة العاطلين والمنحرفين أخلاقيَّا حتى لا يؤثروا عليه، ويجتذبوه إلى طريقهم لقوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل).