المتابع للتحركات الشعبية – المعارضة أو الموالية - في سوريا يكتشف حالة أو مفارقة غريبة تحتاج للكثير من القراءة والتحليل النفسي والاجتماعي والسياسي ، أما ملخص هذه الحالة أو المفارقة فيتمثل في الغياب التام أو شبه التام للمرأة السورية عن مظاهرات المعارضة مقابل حضور ضخم جدا لها في المسيرات المؤيدة للدولة .. فما سر هذه المفارقة ؟.
تتميز سوريا عن الدول العربية الأخرى بأنها أعطت المرأة منذ الاستقلال وحتى الوقت الحاضر الكثير من الاهتمام ، فالمرأة في سوريا تعيش عصرا ذهبيا وهي موجودة في مختلف مناحي الحياة وتتبوأ جميع المناصب والمراكز السياسية والقضائية والعسكرية وهي المرأة الوحيدة في العالم العربي التي وصلت إلى منصب نائب رئيس الجمهورية..
فهل يمكن للمرأة السورية أن تتخلى عن هذه المكاسب لصالح أي نظام سياسي جديد مجهول الهوية ؟ عند اندلاع الاحتجاجات الأولى في سوريا خرجت المرأة مثلها مثل الرجل لتطالب بإصلاح يمنحها خطوة إضافية إلى الأمام ، ولكن ما إن تم خطف الشارع السوري في بعض المدن والمناطق من قبل المتطرفين والتكفيريين ، وما إن اكتشفت أن ما تحلم به من خطوة إلى الأمام هو مجرد وهم قد تكون من نتائجه عودتها مئات الخطوات إلى الوراء حتى أحجمت عن المشاركة في تلك الاحتجاجات وفضلت البقاء في البيت .
لاشك أن المرأة السورية ذكية ومبدعة وقادرة على تحديد مكان خطوتها القادمة ، وعندما اكتشفت أن المطلوب ليس الإصلاح بل إسقاط النظام وتدمير الدولة ونشر الفوضى وما سيلي ذلك من فتنة وقتل واغتصاب وتهديد وتشريد تراجعت ثم غيرت المسار وأعلنت انحيازها للدولة التي منحتها من الحقوق ما لا تحلم به المرأة في الكثير من الدول العربية التي ما زال بعضها يحرم المرأة حتى من حق قيادة السيارة .
قد يقول قائل بأن غياب المرأة السورية عن احتجاجات المعارضة ومظاهراتها ليس موقفا سياسيا وإنما بسبب ضعف المرأة وعدم قدرتها على المناورة خاصة وأن الشارع المحتج يتعرض لإطلاق نار ..
والسؤال هنا ألا يعتبر مثل هذا الكلام تمييز بغيض ضد المرأة ؟ المرأة لم تغب عن صفوف المحتجين في الداخل فحسب وإنما غابت عن مؤتمرات المعارضين في الخارج أيضا ، والمرأة الوحيدة التي تحدثت باسم المعارضة في احد المؤتمرات الصحفية اثبت أنها مجرد ديكور أو كومبارس لا يملك دورا ليمثله.
غياب المرأة عن صفوف المحتجين والمعارضين في الداخل والخارج قابله حضور هائل لها في جميع المحافل المؤيدة للدولة.. فهل هذا الأمر مصادفة ؟.. قد يقول أحدهم إن الحضور المكثف للمرأة في صفوف الموالاة ناجم عن ضغوط وكلنا يعرف كيف يمكن إخضاع المرأة للضغوط .. وأنا أقول له هذا محض افتراء .. ولا يوجد اليوم في سوريا امرأة متعلمة يمكن إخراجها من بيتها للمشاركة في مظاهرة أو مسيرة تحت الضغط وهي إن أحجمت عن احتجاجات المعارضة فلأنها لم تجد لنفسها مكان في مستنقع العنف والتطرف وهي إن وجدت لنفسها مكان في المسيرات الموالية فلأنها تحاول الحفاظ على مكتسباتها من الضياع .
المحتجون في سوريا اليوم سوريون دون أدنى شك لكنهم لا يخلون من المتطرفين والتكفيريين والمتعصبين .. بعضهم عنيف وبعضهم الآخر مسلح يريد إراقة الدماء بأي ثمن ، أما المؤسف في الأمر أنهم جميعا يخرجون إلى الشارع من أجل القوامة .. قوامة الرجل على المرأة بدليل أن من يحركهم من الخارج لا يتحدث في السياسة والإصلاح والحوار .. وإنما يخطب فيهم بأمر واحد فقط هو أن المرأة عورة صوتا وصورة .
اختيار المرأة السورية اليوم للدولة طرفا تقف إلى جانبه ذكاء ستجنيه ثماره في المستقبل القريب على شكل مكاسب جديدة وابتعادها عن فئة الهائمين على وجوههم هو أيضا ذكاء سيجنبها الكثير من الذل والقهر والظلم والتمييز وإن سقطت الدولة السورية - لا سمح الله – فلن تقوم للمرأة السورية بعد ذلك قائمة وستصبح على لسان صاحب القوامة مجرد عورة .