تحركت حكومة قطر لطرح الملف السوري على مجلس الجامعة العربية واشترت لنفسها مقعد رئاسة مجلس وزراء الخارجية بأموال دفعت عدا ونقدا للسلطة الفلسطينية فبادر ممثل السلطة في الجامعة إلى إخلاء مقعد الرئاسة لرئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم.
على هذه الحقيقة يبنى التقييم الواقعي لتحرك اللجنة الوزارية العربية ومنها ينطلق التعامل مع التصريحات العنترية التي أطلقها حمد من القاهرة ومن ثم مع أدائه وسلوكه خلال الفترة التي أعقبت موافقة سورية على استقبال اللجنة والاجتماع الذي عقده الوزراء المشاركون فيها وأمين عام الجامعة مع الرئيس بشار الأسد.
أولا: من الواضح أن التعليمات الأميركية التي صدرت إلى قطر بالتحرك وبأقصى الإمكانات السياسية عبر الجامعة العربية ، جاءت بعدما رسم الفيتو المزدوج الروسي والصيني خطا أحمر تحت الموضوع السوري في مجلس الأمن الدولي ، وبالتالي فأول عنصر في تقدير الموقف هو انعدام أي فرصة لتغطية أي شكل من التدخلات والضغوط في الشأن السوري عبر مجلس الأمن، ومعلوم أن إدارة أوباما حاولت أن تؤمن نوعا من تحالف خليجي تركي لتغطية عمل عسكري تركي داخل الأراضي السورية ولهذا الغرض عقدت اجتماعات أميركية تركية سعودية عاجلة ، ولكن تبين في نتيجة الحسابات أن الحكومة التركية غير قادرة على تطوير تدخلاتها في سورية بعدما داهمتها أولويات المجابهة مع حزب العمال الكردستاني وبنتيجة التفاعلات الداخلية التركية المتعلقة بتورط أردوغان في سورية وفقا لما عبرت عنه مواقف المعارضة التركية والغليان الشعبي بنتيجة زرع الدرع الصاروخي المكرس لحماية إسرائيل على الأراضي التركية في حين أن قادة العدالة والتنمية وجدوا أنفسهم مضطرين لاحتساب نتائج الرسائل التي تلقوها من طهران وموسكو وبكين والتي تضمنت إنذارا إيرانيا واضحا وتحذيرا من روسيا و الصين.
ثانيا: حرك الأميركيون الجامعة ليحاولوا استصدار موقف ضد سورية يكون غطاء لتصعيد التهديدات والتدخلات بينما عقدت المعارضات السورية رهانا صريحا على تجميد عضوية سورية في الجامعة ودعم مطلبيها : الحظر الجوي والحماية الدولية ، بحيث يتحرك كل من الولايات المتحدة وفرنسا في مجلس الأمن بناء على قرار من الجامعة العربية أي المنظمة الإقليمية لإحراج كل من روسيا والصين ومحاولة تكرار ما حصل بشأن الوضع الليبي.
داخل مجلس الجامعة وداخل اللجنة الوزارية سقطت المحاولات القطرية العدائية وكان واضحا أن حمد بن جاسم الذي اشترى برئاسة اللجنة بطاقة سفره إلى دمشق وبطاقة الدعوة إلى اجتماع اللجنة الوزارية مع الوفد السوري الرسمي في الدوحة، لم يستطع حشد أكثرية داعمة لموقفه العدائي ، لكنه لم يبدل من لجهته الاستفزازية التي يحاول بها الظهور في موقع الحريص على الشعب السوري وسلامة المدنيين السوريين مستعيرا تعابير المعارضات التي تمول ميليشياتها على الأرض السورية بأموال قطر وحيث تقيم غرفة العمليات الإعلامية والسياسية لتخريب سورية في العاصمة القطرية ، و يشرف عزمي بشارة على العديد من الملفات المتعلقة بإدارة المعركة الهادفة لدفع سورية في حالة من الفوضى ولرسم صورة خارجية تقلب فيها الحقائق لتسويغ التدخل الأجنبي.
ثالثا: يتفق الخبراء على أن شن حرب ضد سورية تحت أي تغطية كانت ومن أي موقع كان لن يكون نزهة بعدما أظهر الشعب السوري بغالبيته الساحقة دعمه لدولته الوطنية وجيشها وللرئيس الأسد ومشروعه الإصلاحي الذي تحول إلى روزنامة تنفيذية فلجنة الدستور تباشر عملها اليوم والانتخابات المحلية حدد موعدها في كانون الأول المقبل و يقبل الناس على تقديم ترشيحاتهم إليها ، بينما يتوقع أن تجري الانتخابات التشريعية في شهر شباط من العام القادم.
رابعا رسالة الرئيس الأسد الحازمة حول المغامرة العدوانية ، جاءت في توقيت مناسب حيث تستمر محاولات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وفي فرنسا بشكل خاص للتحريض على اتخذا قرارات سياسية و ميدانية تمهد للعدوان على سورية ، و قد شكلت رسالة الأسد تحذيرا حازما و واقعيا ، من مغبة اتخاذ خيار المغامرة الخطرة التي سبق للكثير من المواقع المسؤولة في الغرب أن أقرت بما يترتب عليها من النتائج .
إن أقل ما يتوقع كحصيلة لقرار التحرش بسورية هو اندلاع حرب إقليمية كبرى بمبادرة الجيش السوري إلى الدفاع عن وطنه و مواجهة جميع أطراف الحلف المعادي و حيث يتشوق السوريون العاديون للانخراط في مقاومة شعبية دفاعا عن استقلال سورية و عزتها .
و في وعي السوريين و إدراكهم أن إسرائيل هي مركز الحلف المعادي ، بينما أعربت قوى المقاومة وإيران عن انحيازها المسبق إلى سورية في أي مجابهة من هذا القبيل وهذا ما بات معروفا لدى جميع العواصم المعنية دوليا وإقليميا.
المغامرة العدوانية ضد سورية ، تفتح الباب أمام حرب مقاومة ضارية يخوضها السوريون دفاعا عن وطنهم، و لأن الغرب الاستعماري يدرك أن هذه العقدة قد تطرح مصير إسرائيل ووجودها ، فإن خطته تقوم على مراكمة عناصر الضغط لفترة زمنية غير قصيرة ، بهدف إنهاك سورية وإشغالها واستنزاف قدراتها ، ولذلك تتركز مهمة حمد بن جاسم بمحاولة استفزاز القيادة السورية ولي ذراعها لقبول مبدأ الحوار مع مجلس اسطنبول كممثل للمعارضة والدخول عبر ذلك على خط المعادلات السورية الجديدة بشكل يؤمن للغرب وللحكومات الإقليمية المرتبطة به وخصوصا لتركيا وقطر والسعودية مواقع نفوذ وتأثير في قلب المعادلة السياسية السورية انطلاقا من صيغة الحوار الداخلي.
خامسا التصعيد الذي سبق اجتماع اللجنة الوزارية بالوفد السوري شاركت فيه الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وقطر وفيه محاولة الوصول إلى إحدى النتيجتين فإما أن تنتهي مهمة اللجنة الوزارية إلى الفشل ليسعى حمد إلى أخذ الجامعة العربية يوم الأربعاء نحو قرار يغطي التدخل الأجنبي أو تقبل القيادة السورية ببعض الشروط التي يعتبرها الأميركيون الحد الأدنى المطلوب لخدمة مخططهم الطويل الأمد الذي كشف عنه الآن جوبيه عندما قال أن الأمور تتطلب في سورية حوالي السنتين وهو بذلك يشير إلى سيناريو سبق أن اختبر في نيكاراغوا عندما تبنى الغرب عصابات الكونترا التي استنزفت الدولة الوطنية وقواتها المسلحة ودعم تحالفا من الأحزاب والقوى العميلة للغرب في الانتخابات ليؤسس بذلك لقلب النظام السانديني المناوئ للهيمنة الاستعمارية.
القيادة السورية تدرك هذا المخطط وتجري حساباتها بدقة في إدارة الصراع وعلى أساس مبادئ لا مجال للتفريط بها تنطلق من قاعدة السيادة الوطنية والاستقلال الوطني ومن كون أي حوار يجب أن يكون شاملا لجميع المكونات الوطنية وعلى أساس رفض الإرهاب وإدانة كل محاولة لتسهيل التدخل الأجنبي في سورية و من دون شك إن الفصل الحالي من الأزمة السورية يبدو حاسما و دقيقا .
الإثنين يناير 02, 2012 6:11 am
