العروبة... وعرب الفضائيات

العروبة... وعرب الفضائيات



ما حدث على امتداد الوطن العربي أثلج قلوبنا، واستبشرنا خيراً بصحوة الشعوب العربية بعد هجعة طويلة امتدت أكثر من عقود ثلاثة، فرحنا وشجّعنا تحرُّر الشعوب العربية، آملين التزام تحرير فلسطين.

قلنا إن الأوان قد آن ليتوحّد الموقف العربي حول قضية فلسطين؛ فالعرب عاشوا مدة طويلة من الزمن كانوا خلالها في حال تعارض، لا بل نزاع حول مفهوم قضية فلسطين.

لكن بعد مرور عام على ما سُمي "تحرّر الشعوب العربية"، بات من حقنا أن نسأل: أين أصبح العرب من قضية فلسطين؟

أصبح العرب يتقنون فن تدمير أوطاننا بأموالنا العربية، وبدل استعمال تلك الأموال في تحرير فلسطين، بات المال العربي يُدفع لشراء الذمم والأقلام والصحف المكتوبة، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والفضائيات، بهدف تزوير الحقائق وتشويهها، وبات يُدفع لتغطية نفقات الجيوش والطائرات والصواريخ الأميركية والغربية التي تطلق على شعبنا وأوطاننا العربية، بحجة التخلص من الحكام الطغاة وإحلال الحرية والديمقراطية.. لكن في حقيقة الأمر، إن تلك الأموال العربية تُدفع كرمى لعيون أميركا و"إسرائيل".

قال الفيلسوف الصيني (صن صو): "إذا أردت أن تهزم عدوك، فاجعل عدوك يهزم نفسه".

لا غلوّ في قول إن "إسرائيل" وأميركا عملتا على تنفيذ تلك النصيحة، وجعلاها واقعاً، حيث بثـّتا روح الفرقة بين مسلم ومسيحي، وبين مسلم "متطرف" ومسلم "معتدل"، وبين سُني وشيعي، وبين فرس وعرب.. وأصبح المجتمع العربي - الإسلامي منقسماً على نفسه، وبدل أن تكون القضية فلسطين والقدس، أصبحت القضية كيف نتآمر على تقسيم فلسطين والسكوت عن تهويد القدس، عبر مبادرات أو حلول استسلامية ومذلة، بهدف إنهاء القضية الفلسطينية؛ بتسويق مدروس عبر فضائيات مدسوسة، أو بواسطة أقلام مأجورة، فأصبح مجتمعنا متخبطاً بالفوضى، متلهياً بالدعوة إلى حشود مليونية لإسقاط حاكم أو دعوة رئيس للرحيل، متناسياً قضيتنا الأساسية؛ فلسطين.

كم كنا نتمنى لو أن هذه الحشود المليونية من كل يوم جمعة خُصصت للدعوة إلى استعادة القدس وتحرير كامل التراب الفلسطيني، وبدل تبني شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، كان الأولى لنا إطلاق شعار "الشعب يريد تحرير فلسطين".

تُرى يا عرب، أيّ إفك ترتكبون، وأنتم عن فلسطين تتنازلون، وعن تهويد القدس أنتم ساكتون، ولأميركا أنتم خانعون، وعلى المقاومة وقوى الممانعة تتآمرون، وبالتطبيع مع "إسرائيل" تقبلون؟! تُرى يا عرب، أيّ منقلب تنقلبون؟

لهؤلاء نقول: مهما سعى عرب الفضائيات المدسوسة لتخريب عقول الشعوب العربية وإيهامها بأن فلسطين لن تعود عربية، وأن الحل هو بإسقاط منظومة الممانعة والدفع باتجاه اعترافنا بالكيان الصهيوني الغاصب، وتطبيع العلاقة مع هذا الكيان، فلن نتراجع عن اقتناعنا بأن العدو الرئيسي والخطر الداهم على أمتنا هو "إسرائيل"، وأن هدفنا الأساسي هو استعادة فلسطين؛ كل فلسطين، من البحر إلى النهر، وتطهير القدس القدس؛ كل القدس، من الاحتلال، مهما كلّف الأمر، ومهما طال الزمن.

مهما حاول عرب الفضائيات والغرب السعي إلى أمركتنا وإسقاط الهوية العربية - الإسلامية عن فلسطين والقدس، تبقى فلسطين الهدف والقضية الجامعة، وتبقى العروبة الإطار الأصح والجامع لكل مكونات منطقتنا السياسية والدينية، التي من خلالها يجب العمل على تحقيق هذا الهدف.

رفعت إبراهيم البدوي - الثبات