كانت سورية، أمس، على موعد فاصل في تاريخها الحديث حيث أبى مواطنوها إلا أن يُجروا استفتاء شعبياً جديداً يشمل محافظاتها كافة، برغم الطقس العاصف والأحوال المناخية الصعبة. ولقد كان صوت الشعب مدوّياً ومؤثراً وعميقاً، بل جوابا مفحماً لكل الادّعاءات والتزويرات والافتراءات. كان الصوت عالياً بحبّ سورية، والمسيرات عارمة بافتدائها. إنها مسيرات النسيج الاجتماعي والشعبي السوري بكل أطيافه وشرائحه ومكوناته.
والحقيقة ان المشهد الشعبي الجامع العارم كان الرد الأبلغ على المخطط المعادي والمؤامرة الخبيثة، لأن الحشود الكثيفة شكّلت الصرخة الوطنية الرافضة للتدخل الخارجي، وللتمويل والتسليح الراميَيْن الى تغيير الثوابت السورية والموقع الاستراتيجي والبوصلة القومية. فالشعب السوري هو الذي يردّ بالجملة لا بالمفرق على كل ما يحاول المسّ بوعيه وكرامته ووجوده، وهو الذي يعطي الشرعية الحقيقية لا مدّعوها وفاقدوها.
لكن الأسئلة التي تقفز الى ذهن كل مواطن سوري غيور ترتسم كما يلي: هل يفرح أعداء سورية في اجتماعاتهم المنعقدة في الغرف السوداء؟ كيف يسمحون لأنفسهم المشاركة في تمويل مجرمين وسماسرة ومرتزقة؟ خدمة لمن يقدمون؟ هل هي خدمة للشعب السوري الذي قال كلمته الفاصلة منذ نشوب الأزمة المفتعلة، حتى الأمس في الوطن، وحتى الغد في المغتربات أمام جميع السفارات والقنصليات السورية في الخارج؟ هل يخدم هؤلاء مصلحة سورية أم يخدمون أعداءها؟ هل يخدمون صمودها في وجه العدو "الإسرائيلي"؟ هل يخدمون اقتصادها ونموها وازدهارها؟ هل يسهّلون قيامها بدورها الوطني والقومي والاقليمي أم يحاولون تعطيله وإلغاءه بالشعارات الفضفاضة واليافطات المغرضة والمخططات المعادية؟
أَلا ليتهم يمولون مشاريعَ إنمائية لسورية وشعبها بدلاً من أن يفخخوا أمنها واستقرارها بالأجندات الخارجية ومشاريع القتل والتدمير... ليتهم يصرفون ملياراتهم خدمة للشعوب لا تآمراً على استقرارها. ليتهم ينفقون أموالهم لاستعادة فلسطين وتمكين الجيوش والمقاومات من امتلاك القدرات والجهوزيات الكاملة لتحرير الأرض المحتلة كلها... ليتهم يخجلون من أنفسهم ومن شعوبهم بسبب الجريمة النكراء التي ارتكبوها ضد سورية، بل ضد الانسانية التي يحاضرون بقيمها التي لا يدركون ولا يمارسون.
أما في لبنان فلتسقط الرهانات الخاطئة. فليسقط الجموح والوهم وانقلاب الأولويات... لتسقطْ موجات ركوب الرأس والرقص السياسي والمراهنة على الخارج، وليذهبِ الجميع في اتجاه أولوياتهم الى فلسطين، الى القدس، الى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والأرض الطهور. إذْ ذاك تستقيم النظرة الى دمشق والوضع السوري برمته، وتصبح القراءة السياسية أجدى وأصحّ، بدلاً من أن تبقى أسيرة الحيثيات المغلوطة والمشاريع الخاطئة التي لا تستتبع إلا أفدح الأخطار.
ونحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي ندعم برنامج الإصلاح الشامل الذي يقوده الرئيس بشار الأسد، والذي بدأت آلياته ترتسم على الأرض تطبيقاً ونهجاً ومفاهيم، في مسيرة تصاعدية وئيدة نحو حل الاشكاليات التي تعترض الشعوب الحية ويكون الشعب أقوى منها بتجاوزها والاستفادة منها، وإننا إذْ ندعو الى المزيد من اندفاعة الإصلاح، نؤكد بأن الاعلان عن تحديد موعد الانتخابات لمجلس الشعب الجديد ما هو سوى تأكيد على الصدقية وعلى الأجندة الإصلاحية، هذه هي الديمقراطية، تعبير الشعب عن رأيه في صناديق الاقتراع بثقافة ديمقراطية ومناقب ديمقراطية.
تحية للشعب السوري الذي قال كلمته الفصل، بمسيراته المليونية الأضخم في سياق تعبيره الحضاري والحاسم عن وحدته الوطنية، وعن تشبثه الحازم بالأمن والاستقرار والاصلاح والخط المقاوِم.