أطفال فلسطين في العيد : اتركوا أرجوحتنا كما تشاء؟!
ثائر ثابت ـ الجزيرة توك ـ نابلس
هنا في فلسطين، لا جديد في العيد، فالفرح بات كالكنز الثمين يحتاج لمستكشف عظيم مثل (كولومبس)
كي يدب الروح في جسده المترهل،لكن الأطفال الصغار لا يعرفون ذلك ، فهمهم أن يفرحوا قدر
المستطاع وبشتى السبل .
وبحثا عن مظاهر هذا الفرح المتقشف، وفي أخر أيام من الشهر الفضيل، استوقفتني أرجوحة
خشبية ، تقف منتصبة على أطراف مخيم عسكر الجديد،(شرقي نابلس)، أطفال، على وجوههم
تتربع ابتسامات بريئة ، وعيون حائرة تتجول المكان منتظرة دورها كي تطير هكذا، كعصفور صغير
، يحلم بالانعتاق، ويصل آفاق بعيدة بلا حدود.
صاحب المتنزه،الأرجوحة ، صدام 24 عاما، شاب في العشرينيات من عمره ، حينما سألته عن
هدفه من بناء الأرجوحة بادرني بقوله:" غايتي من هو أن اجعل أطفال مخيمي يلهون ويمضون
وقتا ممتعا خاصة في شهر رمضان المبارك، ولأنني كالكثير من الشباب لا مهنة لدي اجني منها
مصروفي ، فكرت بالأرجوحة هذه كي أحقق الفرح للأطفال واكسب بعض المال .....".
وكي يختصر التكاليف احضر الشاب صدام ،عمود كهرباء خشبي، تعتليه مصابيح نيون بيضاء ،
وبعض الحبال البلاستيكية ،وأحاط المنطقة بالقصب كسياج حماية، وبنفس الوقت يجملها ، إضافة
لبعض نباتات الزينة المزروعة في أوعية معدنية، ولم ينس علم بلاده، وجعله يرفرف بشموخ
وكبرياء، دلالة واضحة على حبه لوطنه ، أنها وسيلة بدائية وغريبة لكنها حققت مراد أطفال
المخيم ، وجعلتهم يشعرون بطعم من الفرح ،في زمن غلب عليه الجوع والحرمان والشقاء.
وبينما كنت أتجول في المكان، أثار انتباهي طفلة صغيرة، تقبض في راحة يدها البضة ، قطعة معدنية،
من صنف الشيكل. سألتها هل تفرحين حينما تركبين في الأرجوحة ،إجابتي بالرفض، حاولت أن أعيد
السؤال ربما لم تفهم قصدي ، كررت،هي، الإجابة بالنفي، قائلة: أنا لست صغيرة... أنا كبيرة..."
تعجبت من إجابتها ، واستغربت من رغبتها في أن تصبح كبيرة رغم أنها لا تتجاوز الخمس
سنوات، لكن ربما ترى الكبار لا يعرفون للسرور معنى، وعلى نهجهم سارت.
وعن مدى رضا الأطفال،الزبائن، بالمشروع ، أشار لي صدام، أن الأطفال يلحون عليه باستمرار
أن يجلب لهم سفينة تلف،كالتي يرونها على شاشة التلفزيون، لكنه يعدهم،بالقول:" إن شاء الله ..
بعد العيد...!
ربما تتحول الأحلام حقيقة ، وربما أيضا تصدق الوعود-ومادامت الأرجوحة الخشبية، التي
استرجعتني أنا ،لمسلسلات تاريخية غابرة – تدور وتلف وتحاول أن تلامس عنان السماء ،
ستنهمر ،حتما، أمطار، الفرح البعيدة، حتى لو كانت هذه السماء موشحة بالغيوم السوداء ،
وحينها ستفرش الأرض وردا وسنابل .