لقد حدّدت النصوص الاِسلامية آداباً وقررت شروطاً ، لابدّ للداعي أن يراعيها كي يتقرّب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه ، ويتحقّق مطلوبه من الدعاء ، وإذا أهملها الداعي فلا تتحقّق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ولا تحصل له نورانية القلب وتهذيب النفس وسمو الروح المطلوبة في الدعاء .
وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب :
1 ـ الطهارة :
من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيّما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة ،
2 ـ الصدقة وشمّ الطيب والرواح إلى المسجد :
3 ـ الصلاة :
ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، للرواية
4 ـ البسملة :
ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يُرَدُّ دعاءٌ أوّله بسم الله الرحمن الرحيم »
5 ـ الثناء على الله تعالى :
الثناء على الله سبحانه اعتراف بالوحدانية ، وتحقيق للانقطاع التامّ إلى الله تعالى دون ما سواه ، فينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أن يحمد الله ويثني عليه ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : «الحمد لله الذي جعل
الحمد مفتاحاً لذكره ، وسبباً للمزيد من فضله.. »
6 ـ الدعاء بالاسماء الحسنى :
وعلى الداعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى ، لقوله تعالى :
(وللهِ الاَسماءُ الحُسنى فادعوهُ بها ) ، وقوله تعالى : ( قُل ادعوا الله أو ادعُوا الرَّحمن أيّاً ما تدعُوا فلهُ الاَسماءُ الحُسنى )
وقال رسول الله ص : «لله عزوجل تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجيب له »
واعلم أن بعض أهل العلم يقول : ينبغي للداعي إذا مجّد الله سبحانه وأثنى عليه أن يذكر من أسماء الله الحسنى ما يناسب مطلوبه ، فإذا كان مطلوبه الرزق يقول : يا رزاق ، يا وهاب ، يا جواد ، يا مغني ، يا منعم ، يامفضل ، يا معطي ، يا كريم ، يا واسع ، يا مسبب الاَسباب ، يا منان ، يارزاق من يشاء بغير حساب .
وإن كان مطلوبه المغفرة والتوبة ، يقول : يا تواب ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا رؤوف ، يا عطوف ، يا صبور ، يا شكور ، يا عفو ، يا غفور ، يا فتاح ، ياذا المجد والسماح ، يا محسن ، يا مجمل ، يا منعم .
وإن كان مطلوبه الانتقام من العدو يقول : يا عزيز ، يا جبار ، يا قهار ، يا منتقم ، ياذا البطش الشديد ، يا فعال لما يريد ، يا قاصم المردة يا طالب ، يا غالب ، يا مهلك ، يا مدرك ، يا من لا يعجزه شيء .
ولو كان مطلوبه العلم يقول : يا عالم ، يا فتاح ، يا هادي ، يا مرشد ، يا معز ، يا رافع ، وما أشبه ذلك
9 ـ الاقرار بالذنوب :
وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقراً مذعناً تائباً عمّا اقترفه من خطايا وما ارتكبه من ذنوب ، قال الاِمام الصادق عليه السلام : «إنما هي مدحة ، ثم الثناء ، ثم الاِقرار بالذنب ، ثم المسألة ، إنّه والله ما خرج عبد من ذنب إلاّ بالاقرار »
10 ـ المسألة :
وينبغي للداعي أن يذكر بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي والاقرار بالذنب ما يريد من خير الدنيا والآخرة ، وأن لا يستكثر مطلوبه ، لاَنّه يطلب من ربِّ السموات والاَرض الذي لا يعجزه شيء ، ولاتنفد خزائن رحمته التي وسعت كل شيء .
وعليه أيضاً أن لا يستصغر صغيرة لصغرها
وروي عن رسول الله ص أنّه قال : «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلّها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع »
ويستحب للداعي إذا كان دعاؤه عبادة خالصة يتقرب بها إلى مولاه أن يسأل ما يبقى جماله من خير القضاء في الآجلة والعاجلة ، وأن تعكس مسألته حالة الافتقار إلى الله تعالى التي يتساوى فيها جميع البشر .
11 ـ معرفة الله وحسن الظنّ به سبحانه :
: من شروط حسن الدعاء علم الداعي كون ما يطلبه بدعائه مقدوراً لمن يدعوه ، وهذا يتضمن أن من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته
12 ـ العمل بما تقتضيه المعرفة :
على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأن يفي بعهد الله ويطيع أوامره ، وهما من أهم الشروط في استجابة الدعاء .
13 ـ الاقبال على الله :
من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه وعواطفه ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا ، فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء وبين الدعاء الحقيقي الذي ينضمّ فيه القلب بانسجام تامّ مع اللسان ، تهتزّ له الروح وتحصل فيه الحاجة في قلب الاِنسان ومشاعره .
14 ـ الاضطرار إلى الله سبحانه :
لابدّ للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجّه المضطر الذي لا يرجو غيره، وأن يرجع في كلِّ حوائجه إلى ربه ، ولا ينزلها بغيره من الاَسباب العادية التي لا تملك ضراً ولا نفعاً ( قُلِ ادعُوا الَّذينَ زَعمتُم من دونه فلا يملكون كشف الضُّرِّ عنكم ولا تحويلا )
فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جاداً ، وكان مدعوّه ربه وحده لا شريك له ، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء ( أمَّن يُجِيبُ
المُضطرَّ إذا دعاهُ ويكشِفُ السُّوءِ )
15 ـ تسمية الحوائج :
إنّ الله تعالى محيط بعباده يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد ، ولكنه سبحانه يحبُّ أن تُبث إليه الحوائج وتُسمى بين يديه تعالى ، وذلك كي يقبل الداعي إلى ربه محتاجاً إلى كرمه فقيراً إلى لطفه ومغفرته
16 ـ ترقيق القلب :
ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت والبرزخ ومنازل الآخرة وأهوال يوم المحشر ، وذلك لاَنّ رقّة القلب سبب في الاخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة الله وفضله ، قال رسول الله ص: « اغتنموا الدعاء عند الرقة ، فإنّها رحمة »
واللسان
17 ـ البكاء والتباكي :
خير الدعاء ما هيجه الوجد والاَحزان ، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله ، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لاَنّ الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه ، والدمعة سفير رقّة القلب الذي يؤذن بالاخلاص والقرب من رحاب الله تعالى ..
قال رسول الله ص: «إذا أحب الله عبداً نصب في قلبه نائحةً من الحزن ، فإنّ الله لا يدخل النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع »
18 ـ العموم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يخصّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، وهو من أهم آداب الدعاء، لاَنّه يدل على التضامن ونشر المودة والمحبة بين المؤمنين ، وازالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم ، وذلك من منازل الرحمة الالهية ، ومن أقوى الاَسباب في استجابة الدعاء ، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له .
قال رسول الله ص: «إذا دعا أحدكم فليعمّ ، فإنّه أوجب للدعاء»
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاَحياء منهم وجميع الاَموات ؛ ردّ الله عليه بعدد ما مضى ومن بقي من كل إنسان دعوة »
وقال عليه السلام : «دعاء المرءلاَخيه بظهر الغيب يدرُّ الرزق ويدفع المكروه
19 ـ التضرُّع ومدّ اليدين :
ومن آداب الدعاء إظهار التضرع والخشوع ، قال تعالى : ( واذكر ربك في نفسك تضرُّعاً وخِيفةً ) (3)، وقد ذمّ الله تعالى الذين لا يتضرعون إليه ، قال تعالى: ( ولقد أخذناهُم بالعذاب فما استكانُوا لربِّهم وما يتضرَّعُون )
والتضرُّع من أسباب استجابة الدعاء ، قال رسول الله ص: إن الله يستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردّهما خائبتين »
والعلّة في رفع اليدين هي إظهار الاستكانة والفاقة بين يديه تبارك وتعالى .
20 ـ الاَسرار بالدعاء :
ويستحب أن يدعو الاِنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الاَعمال وتجعلها هباءً منثوراً ، قال تعالى : ( ادعُوا ربَّكُم تضرُّعاً وخُفيةً)
وفي رواية اُخرى : «دعوة تخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها »
21 ـ التلبث بالدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء بل يدعو مترسّلاً ، ذلك لاَنّ العجلة تنافي حالة الاقبال والتوجه إلى الله تعالى ، وما يلزم ذلك من التضرُّع والرقة ، كما أن العجلة قد تؤدي إلى ارتباك في صورة الدعاء أو نسيان لبعض أجزائه .
22 ـ عدم القنوط :
وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطىء الاجابة فيترك الدعاء ، لاَنّ ذلك من الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدعاء ، وهو بذلك أشبه بالزارع الذي بذر بذراً فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلمّا استبطأ كماله وادراكه تركه وأهمله .
حباها إياه مولاه ، وأن يبسط يد الرجاء معاوداً الدعاء لما فيه من الاَجر الكريم والثواب الجزيل .
23 ـ الالحاح بالدعاء :
وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الاِجابة وعدمها ؛ لاَنّ ترك الدعاء مع الاجابة من الجفاء الذي ذمّه تعالى في محكم كتابه بقوله : ( وإذا مسَّ الاِنسانَ ضُرٍّ دعا ربهُ مُنيباً إليه ثُمَّ إذا خوَّلهُ نعمةً منهُ نسيَ ما كان يدعو إليه من قبلُ )
24 ـ التقدّم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في
الشدة، لما في ذلك من الثقة بالله والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء واستجابة الدعاء عند الشدة .