يعد قطاع الغزل والنسيج من القطاعات المميزة في سوريا والمتوقع لها النمو والتطور، ولأجل ذلك تم منذ عدة سنوات إحداث قسم للغزل والنسيج في كلية الميكانيك بجامعة دمشق، خرج عدة دفعات من مهندسي الغزل والنسيج الذين توزعوا في سوق العمل.
ولنكون قريبين من الواقع توجهنا إلى عدة وزارات لنبحث عن خريجي الغزل والنسيج فيها لنلتقي بما يزيد عن عشرين مهندساً للغزل والنسيج لا يعمل أياً منهم في اختصاصه وهو ما يعني أن يكونوا على ملاك وزارة الصناعة المعنية بقطاع الغزل والنسيج، فوجدنا ثمانية منهم ضمن كوادر وزارة البيئة، وتسعة غيرهم يغزلون نسيج وزارة التربية وثلاثة آخرين يقدمون خدمات وزارة الاقتصاد.
وهؤلاء المهندسين يتوزعون على دورات 2008 -2009 – 2010- 2011 أي أن منهم الخريجين الأوائل للاختصاص بعد إحداث قسم الغزل والنسيج في كلية الميكانيك بجامعة دمشق عام 2003.
فهل يعقل إن كل احتياجات سوق النسيج في سوريا لم تكن قادرة على استيعابهم حتى تم الاستغناء عن خدماتهم وتجميدهم في وزارت لا يقدمون فيها إلا مهمات وظيفية عادية؟!
تعيين خارج السرب!
المفاجئ بالنسبة لهذا المهندس أنه يتخرج ليجد نفسه يعين في إحدى وزارت الدولة في غير اختصاصه ليغرد خارج السرب، ويذهب كل ما حصده على مدى سنوات الدراسة أدراج رياح "التعيين"، ويبدأ رحلة تعلم مهنته الجديدة والتعرف على مهام عمله المغايرة لما صرفه من سنوات الدراسة ليكون "الباش مهندس" في الغزل والنسيج.
ولتخسر الدولة مجهود أحد خريجيها الجامعيين الذي كلفها الشيء الكثير من مخابر وتجهيزات جامعية وتأليف كتب وإعداد مدرسيين مختصين في هذا المجال وغيره من التكاليف التي تتكبدها الجامعة لتقدم خريجها لسوق العمل على أمل أن يسخر ما تعلمه في خدمة قطاع عمله.
على أبواب التخرج
خلال جولتنا على طلاب الغزل والنسيج في كلية الميكانيك بجامعة دمشق التقينا بالعديد من طلاب الاختصاص في مختلف السنوات، الذين اجمعوا على أن قسمهم يعاني من النقص الكبير سواء في التجهيزات المخبرية أو الكوادر التدريسية، والتي وعدوا بأنها ستكون متكاملة قبل إنهائهم لأعوام الاختصاص الخمسة وهذا ما لم يتلمسونه حتى الآن، حيث قال طلاب السنة الخامسة : أنهم عندما دخلوا في الاختصاص سمعوا بوعود تفيد بأن كافة احتياجات الاختصاص من مخابر وكوادر تدريسية وتمارين عملية ستكون جاهزة قبل أن يتخرجوا، وهاهم على أبواب التخرج ولم يحصلوا إلا على النثر القليل.
متفائلين ولكن!
وكون الطلاب وبالذات من هو على أبواب التخرج يتواصل مع من سبقهم إلى سوق العمل فقد باشروا بتحضير أنفسهم لتقبل ما سيلاقونه من قلة احتواء لهم قي قطاع الغزل والنسيج الحكومي ورفض لشهادتهم من القطاع الخاص.
ولهم معاناتهم الخاصة مع معامل القطاع الخاص، فأغلبهم قوبلوا بالرفض تحت عنوان عريض من صاحب المعمل مبني على مبدأ "عامل يمتلك خبرة سنتين أفضل من مهندس غر في مهنته" ولكنهم متفائلين !
فرازة مجلس الوزراء والواسطة !
تقوم آلية فرز المهندسين الخريجين من الجامعات الحكومية على عملية تشبه المفاضلة، حسب ما أفادنا به مدير الشؤون الإدارية في وزارة التعليم العالي فاروق خضر حيث قال: يكتتب الطالب في الكلية عند تخرجه ويختار ثلاثة وزارات يمكن أن يفرز عليها، والفرز لا يتم بوزارة التعليم العالي وإنما في رئاسة مجلس الوزراء بعملية تشبه المفاضلة حسب معدل التخرج.
ومنهم من يتقدم بطلب نقل من تعيينه وينقل مع شاغره واعتماده، حيث يحق للمعين أن يتقدم بطلب نقل بعد مضي سنة على تعيينه على أن يؤمن البديل.
المخابر جاهزة أخيراً
ولتوضيح الصورة أكثر قال الدكتور حسين التيني رئيس قسم الغزل والنسيج بكلية الميكانيك جامعة دمشق : سوق الغزل والنسيج في سوريا يعتبر سوقا واعداً لامتلاكه كافة متطلبات الإنتاج، وكافة مؤسسات القطاع الحكومي لديها حاجة ملحة لوجود المهندسين، ولكنهم لا يطلبوهم بسبب وجود فائض في الإنتاج، وحتى القطاع الخاص يحتاجهم لقلة مهندسي هذا الاختصاص في سوريا.
وحول عدم جهوزية القسم أشار التيني إلى أن غالبية الأقسام الحديثة في جامعاتنا يتم افتتاحها ولا تكون مجهزة بشكل نهائي، وهو ما طبق في قسم الغزل والنسيج، ولكن هذا الاختصاص بالذات وإن بدأ من الصفر فلا مشكلة في ذلك كون معامل القطاع العام موجودة تحت خدمة القسم وبكافة مخابرها وتجهيزاتها، ومخابر قسمنا أصبحت جاهزة وستوضع في الخدمة خلال الفصل الثاني من هذا العام بعد أن أصبحت مستكملة لتجهيزات.
ملاحظة عامة !
هذه الحالة عانى منها الخريج الجامعي على مدى العقود الماضية في الكثير من الاختصاصات وليست بمقتصرة على خريجي الغزل والنسيج، فمأساة التعيين في مجال غير مجال دراسة الخريج الجامعي تعتبر لعنة تلاحق طلابنا منذ عقود، وما طرح من حلول لأجلها لا تزال قيد الدراسة، وما على الطالب إلا أن يدرس في اختصاصه ويهيئ نفسه للعمل في مجال مختلف تماماً، إلى حين أن توضع الحلول قيد التطبيق.
السبت مارس 10, 2012 10:58 pm