ما فعله السفير الأمريكي نهاية الأسبوع الماضي ليس فقط تدخلاً مشبوهاً بالشؤون الداخلية لسورية، وإنما هو عمل يمسّ بشكل مباشر السيادة الوطنية التي نعتز بصيانتها واستقلاليتها، فالدولة التي تعتقد أن من حقها إلزام المسافرين إليها وبعنصرية تامة خلع ثيابهم وأحذيتهم في مطاراتها، لا يحق لها أن تتصرف على أرض بلد آخر بمعزل عن الأعراف الدبلوماسية ومؤسسات هذا البلد، وكأن مواطنيها أينما وجدوا هم فوق القانون..!.
ربما لم يعِ بعدُ السفير الأمريكي أنه في دمشق... وليس في بلد آخر تابع وفاقد سيادته أو في بلد فيه قوات لبلاده كقوة احتلال وهيمنة.
هو هنا... في بلد يحافظ على استقلالية قراره وسيادته، وبالتالي فإن تحركه الدبلوماسي ونشاطه يجب ألا يخرجا عن النطاق المعتاد المرتبط بالسيادة، أي إن عليه أن يميز بين عمله السابق الذي مارسه في ظل احتلال بلاده لبلد عريق وتدميره، وعمله اليوم في بلد نجح في مقاومة هيمنة بلاده منذ ما يزيد على أربعة عقود.
لو كانت الإدارة الأمريكية حريصة فعلاً على الاستقرار في سورية وإنجاح عملية الإصلاح، لكانت اتخذت جملة خطوات عملية وموضوعية تضمن لها دوراً ايجابياً لا سلبياً مخّرباً، منها على سبيل المثال المبادرة إلى تقديم معونة فنية للجان التي شكلت لإعداد مسودة لمجموعة من القوانين الإصلاحية عبر اطلاعها على التجارب المتقدمة، وهو كان سيتيح لها التأكد من مدى جدية عمل تلك اللجان واستقلاليتها، أيضاً كان يمكنها فتح قناة واسعة للحوار مع سورية حول رؤيتها للإصلاح وسبل دعم توجهها الديمقراطي، والأهم هو حث الجميع على المشاركة في مبادرة الحوار الوطني التي أطلقتها القيادة في سورية وتبدأ أولى خطواتها اليوم...
للأسف.. لم تقدم الولايات المتحدة في المنطقة العربية طوال العقود السابقة صورة إيجابية واحدة لدورها الديمقراطي المزعوم، فأينما تحركت أصابع أجهزتها الدبلوماسية والمخابراتية وجدت المشاكل والحروب والفتن طريقها إلى هذا البلد أو ذاك، لذلك لم يكن متوقعاً أن تغير واشنطن من سياساتها العدوانية حيال ما تشهده سورية من أحداث، وتثبت الحقائق يوماً بعد يوم أنها لعبت دوراً كبيراً في تأجيجها وخلق الفتن على اختلاف أشكالها.
كل ما فعلته إدارة أوباما في تعاطيها مع الملف السوري لم يخرج عن السياسة التي رسمتها الإدارات السابقة ولاسيما إدارة جورج بوش الابن وإن اختلفت الأقنعة وآليات التنفيذ، فالإدارة التي تغير موقفها بين يوم وآخر، كما حدث في ملف الدولة الفلسطينية نتيجة الضغوط الصهيونية، لن تكون قادرة على اتخاذ تحولات تاريخية في السياسة الخارجية تقوم على مبادئ احترام سيادة الدول ومصالحها واستقلالية قرارها.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية تعمل من خلال تصرف سفيرها على إفشال الحوار الوطني بين أطياف المجتمع السوري، فإن الحوار الذي ينطلق قطاره اليوم معززاً بملايين السوريين الذين خرجوا إلى الشوارع تأييداً له وللإصلاح، سيصل إلى محطته النهائية حيث سورية القوية، الديمقراطية،... والمقاومة.