أصبح التدخين أحد المخاطر التي يعاني منها ليس فقط الكبار، ولكن الصغار أيضا، حيث يلاحظ أن فئة من الأطفال والمراهقين سقطوا في حبال هذه العادة السيئة، في ظل إهمال الأسرة ، وضعف الرقابة على الأبناء، وعدم توعيتهم بالأضرار الصحية الجسيمة التي قد تلحق بهم بسبب التدخين.
رفقاء السوء
علي عبدالله 23سنة (موظف بالقطاع الخاص) مدخن سابق لمدة 11عاماً ، عن بداياته في عالم التدخين يقول إنه بدأ يدخن وهو طالب في الصف الخامس الابتدائي، وكان سبب لجوئه للتدخين هو قسوة والدته، وكثرة خلافاتها مع والده في المنزل، مما دفعه للخروج من المنزل، هرباً من الجو المليء بالمشاكل، فوجد أمامه أبناء الجيران رفقاء السوء ـ كما أسماهم ـ وجميعهم من المدخنين، وفي الأيام الأولى كانوا يقدمون له السيجارة هدية ليجربها، ولكنه كان يقوم بتجميعها، وفي أحد الأيام راودته فكرة التجربة بسيجارة واحدة فقط، فقام بتنفيذ ذلك، ومن تلك اللحظة انضم لعالم المدخنين، والأدهى والأمر كما يقول علي أن أهله لم يكتشفوا ذلك، إلاّ بعد مرور عامين، وكانت ردة الفعل سلبية، حيث استمر الحال كما هو، في ظل انشغال الأم والأب بمشاكلهما الخاصة، حتى قرر الامتناع عن التدخين من ذاته، بعد إصابته بمرض الربو نتيجة التدخين.
برامج توعوية
وفي السياق ذاته ذكر مدير ثانوية الريان بالمدينة المنورة عبدالحميد ضويعن الجهني أن ظاهرة تدخين الأطفال والمراهقين من الظواهر السلوكية التي تراقبها وزارة التربية والتعليم ممثلة بقسم التوجيه والإرشاد والإدارة التعليمية، لتشخيص الظاهرة داخل المدارس، وتقديم البرامج التوعوية والوقائية والعلاجية، لأن الطالب يعتبر أحد أفراد المجتمع، وهو يتأثر كثيراً بالبيئة التي يعيش فيها بسبب التقليد الذي يعد من أبرز عوامل انتشار هذه الظاهرة بين الطلاب وفي المراحل المختلفة.
ويشير الجهني إلى أن الدور التربوي للمدرسة يتجلى من خلال وضع البرامج التربوية والوقائية والعلاجية، وذلك من خلال تقديم البرامج الإرشادية بالوسائل التربوية المتعددة عن طريق قسم التوجيه والإرشاد بالمدرسة، مثل توزيع الإصدارات والمطويات التي توضح الأمراض الناتجة عن التدخين، والدوافع التي تحمل الشاب للجوء إليه، والأضرار النفسية والأخلاقية له، وأبرز الوصايا للإقلاع عنه، بالإضافة إلى إقامة المعارض المتنقلة داخل المدارس لتفعيل مشاركة الطالب الحسية، لعلاج هذه الظاهرة بالوسائل التربوية التي تحقق الأهداف المنشودة للتربية والتعليم .
رمز للاستقلال
في هذا الجانب قال استشاري طب نفسي الأطفال والمراهقين بمستشفى الطب النفسي بالمدينة المنورة عاطف قناوي"تقارير منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن هناك 4 خصائص تظهر لدى المدخنين من الصغار، على نحو أكبر مما تظهر فيه لدى غير المدخنين من العمر نفسه، وهي أن يكون آباؤهم من المدخنين، وأن يكونوا من بين الأطفال الأقل نجاحاً في المدرسة، وأن يكون لهم أصدقاء يدخنون، مع أنه من غير الواضح ما إذا كانت المجموعة التي تدخن هي التي تؤثر على المراهق ليدخن، أم إن المدخنين يبحثون عن أصدقاء يدخنون، وآخر خصائص المدخنين الصغار هي أن يستخدم بعض الأطفال التدخين كرمز للاستقلال ضد الأبوين".
أما عن التأثير الناتج عن التدخين ويقول الدكتور قناوي إن دخان التبغ مزيج معقد جداً من الغازات والمواد الكيميائية، وعندما يتم استنشاق الدخان إلى الرئتين، فإن أجزاء من الجسيمات السامة تبقى في الجسم، وتجعل من الصعب أن يقوم بوظائفه، ويحدث أيضاً تهيج في فم المدخن ولسانه وحنجرته ورئتيه، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن تنخفض شهيته للطعام، ويصبح تنفسه صعباً.
مدخنون منذ الصغر
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن لتدخين الأطفال والمراهقين مخاطر أخرى أشار إليها استشاري طب نفسي الأطفال والمراهقين حيث قال "ثبت علمياً أن معظم متعاطي المخدرات والكحول كانوا مدخنين في الصغر، بالإضافة إلى أن إضاعة المصروف المحدد للطفل أو المراهق بسبب التعود على شراء السجائر، قد يدخله في خطر سرقة المال من والديه".
وحدد الدكتور قناوي كيفية وقاية الأهل لأبنائهم من خطر التدخين وقال "هناك ثلاث يمكن للأهل اتباعها لوقاية أبنائهم من التدخين، أولاها النموذج الوالدي، حيث إن أهم ما يفعله الوالدان لمنع أطفالهما من التدخين هو ألا يدخنا، فقد ثبت علمياً أنه إذا كانا مدخنين، إضافة إلى أحد إخوة الطفل، فإن احتمال أن يكون الطفل مدخناً يصل إلى أربعة أضعاف، فيما لو كانوا جميعاً غير مدخنين، وثانيها عامل التربية البيتية، وذلك بمناقشة الوالدين الصريحة المتعلقة بالتدخين، عندما يكون الأطفال في الصفوف كالرابع والخامس، مع التركيز على الآثار الفورية، وآخر تلك الطرق البرامج التربوية المضادة للتدخين في المدرسة، مثل عمل حملات مضادة له في المدرسة" .
أول العلاج المواجهة
وعن التصرف اللازم للأسرة في حال اكتشافها أن طفلها قد أصبح مدخناً منتظماً قال استشاري الطب النفسي "العلاج يكون أولا بالمواجهة التي تهدف إلى توعية الطفل بالخطر الحقيقي للتدخين على صحته وشخصيته، وتوضيح الفوائد الناتجة عن التوقف عن التدخين مثل تحسن وضع الجسم والشعور بالاستقلالية، وتوفير النقود لأغراض أخرى يحبها، واللجوء إلى مساعدة الأطباء أو الاختصاصيين النفسيين في الوحدات الإرشادية ومدربي الرياضة، ومساعدة الأسرة الطفل على التوقف عن التدخين باستخدام المواد المكتوبة والمسموعة من أشرطة مسجلة وفتاوى كبار العلماء"